مقدمات الكتب

مقدمة تاج العروس للمرتضى الزبيدي

وَكَانَ فِيهَا كتابُ الْقَامُوس الْمُحِيط، للْإِمَام مَجْدِ الدّين الشِّيرازي أجلَّ مَا أُلّف فِي الْفَنّ، لاشْتِمَاله على كلِّ مُستحسَن، من قُصارَى فصاحة العَرَبِ العَرْبَاء، وبيضةِ منطِقها وزُبدة حِوارِها، والرُّكْنَ البديع إِلَى ذَرابة اللِّسَان، وغَرابَةِ اللَّسَن، حَيْثُ أَوْجَزَ لفظَه وأشْبَعَ مَعْنَاهُ، وقَصَّرَ عِبارَته وَأطَال مَغْزاه، لَوَّح فأَغرَقَ فِي التَّصْرِيح، وكَنى فأغنى عَن الإفصاح، وقَيَّدَ مِن الأوابد مَا أَعرض، واقتنصَ من الشوارد مَا أكثب، إِذْ ارْتبط فِي قَرَنِ تَرتيب حُرُوف المعجم ارتباطاً جنحَ فِيهِ إِلَى وَطْءِ مِنهاجٍ أَبْيَنَ من عَمود الصُّبح، غيرَ مُتجانِفٍ للتطويل عَن الإيجاز، وَذَلِكَ أَنه بَوَّبَه فأَورَد فِي كلِّ بابٍ من الحروفِ مَا فِي أوّله الْهَمْز، ثمَّ قَفَّى على أثرِه بِمَا فِي أَوّله الْبَاء، وهَلُمّ جَرًّا، إِلَى مُنْتَهى أبوابِ الْكتاب، فَقدم فِي بَاب الْهمزَة إيّاها مَعَ الْألف عَلَيْهَا مَعَ الْبَاء، وَفِي كلّ بابٍ إِيَّاهَا مَعَ الألفِ على الباءين، وهلُمّ جرًّا، إِلَى مٌ نتَهَى فصولِ الْأَبْوَاب، وَكَذَلِكَ رَاعى النَّمط فِي أوساطِ الكَلِم وأواخرِها، وقدّم اللاحِقَ فاللاحق.

(ولعَمْرِي) هَذَا الكتابُ إِذا حُوضِر بِهِ فِي المحافل فَهُوَ بَهاءٌ، وللأفاضل مَتى ورَدُوه أُبَّهة، قد اخترق الْآفَاق مُشْرِّقاً ومُغَرِّبا، وتدارك سَيرُه فِي الْبِلَاد مُصَعِّداً ومُصَوِّبا، وانتظم فِي سلكِ التذاكِر، وإفاضَةِ أَزْلامِ التناظُر، ومَدّ بحرَه الكامِل البَسِيط، وفاض عُبابُه الزاخِر المُحيط، وَجَلَّت مِنَنُه عِند أهل الفنّ وبُسِطَتْ أَياديه، واشتهر فِي المدارِس اشتهارَ أَبى دُلَفَ بَين مُحتضَرِه وبادِيه، وخفّ على المدرِّسين أَمْرُه إِذْ تناولوه، وقَرُب عَلَيْهِم مأْخَذُه فتداوَلُوه، وتَنَاقَلُوه.

(وَلما) كَانَ إبرازُه فِي غَايَة الإيجاز، وإيجازه عَن حدِّ الإعجاز، تَصدَّى لكشف غوامضه ودقائقه رجالٌ من أهل الْعلم، شكر الله سَعْيَهم، وأدامَ نَفْعَهم، فَمنهمْ من اقْتصر على شرح خُطبته الَّتِي ضُرِبت بهَا الْأَمْثَال، وتداولها بالقَبولِ أهلُ الكَمال، كالمُحِبِّ ابنِ الشِّحنة، وَالْقَاضِي أبي الرّوح عِيسَى ابْن عبد الرَّحِيم الكَجَراتي، والعَلاّمة مِيرزا عَليّ الشّيرازيّ، وَمِنْهُم من تَقيَّد بِسَائِر الْكتاب، وغرَّدَ على أفنانِه طائرُه المُستطاب، كالنُّور عليِّ بن غَانِم المقدسيّ، والعلاّمة سَعدي أَفَنْدِي، وَالشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الرءوف المَناويّ، وسمّاه ” القوْلَ المأْنوس ” وَصَل فِيهِ إِلَى حرف السِّين الْمُهْملَة، وَأَحْيَا رُفاتَ دارِس رُسومِه المُهملة، كَمَا أَخْبرنِي بعضُ شُيوخ الأوان، وَكم وجَّهْت إِلَيْهِ رائد الطّلب، وَلم أقِف عَلَيْهِ إِلَى الْآن، والسيّد الْعَلامَة فَخر الْإِسْلَام عبد الله، ابْن الإِمَام شرف الدّين الحَسني مَلك اليَمن، شَارِح ” نظام الْغَرِيب ” المتوفّى بحِصن ثُلا، سنة 973، وَسَماهُ ” كَسْر الناموس “. والبدْر مُحَمَّد بن يحيى القَرافي، وَسَماهُ ” بهجة النُّفُوس، فِي المُحاكمة بَين الصّحاح والقاموس ” جمعهَا من خُطوط عبد الباسط البَلْقِينِيّ وسَعدي أَفَنْدِي، وَالْإِمَام اللّغَوِيّ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الْعَزِيز الفَيْلالي، المتشرّف بخلْعة الْحَيَاة حِينَئِذٍ، شَرحه شرحاً حسنَا، رَقَى بِهِ بَين المحقّقين المقامَ الْأَسْنَى، وَقد حدَّثنا عَنهُ بعضُ شُيُوخنَا.

الصفحة السابقة 1 2 3 4 5 6 7الصفحة التالية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

AdBlock

Please Stop AdBlock! :(