مقالات

علماء شباب| الشيخ حافظ الحكمي والشيخ عبد السلام بن برجس

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير الخلق أحمعين؛ وبعد:

فقد اشتهر في الكتب التي تعتني بسرد الأدب والأخلاق عامة وطلب العلم خاصة النهي عن تصدر الحدث[1]؛ قال الشيخ بكر أبو زيد: «احذر التصدَّر قبل التأهل، هو آفة في العلم والعمل. وقد قيل: من تصدَّر قبل أوانه، فقد تصدَّى لهوانه»[2]. وقد ارتبط مفهوم التأهل عند الكثير بطول الزمان وعلُوِّ السّن، فوضع عدد من أهل العلم حدودا كالخمسين[3]

والحق أن مسألة التأهل غير مرتبطة بالسن[4]، كما بين سلفنا، ونكتفي بسرد ما ذكره ابن مفلح في الآداب والشيخ بكر في التعالم:

قال ابن مفلح رحمه الله[5]:

«فصل في أخذ العلم عن أهله وإن كانوا صغار السن:

قال الإمام أحمد: بلغني عن ابن عيينة قال: الغلام أستاذ إذا كان ثقة.

وقال علي بن المديني: …إن العلم ليس بالسن.

قال عمر رضي الله عنه: إن العلم ليس عن حداثة السن ولا قدمه، ولكن الله تعالى يضعه حيث يشاء.

وقال وكيع: لا يكون الرجل عالما حتى يسمع ممن هو أسن منه، ومن هو مثله، ومن هو دونه في السن، هذه طريقة الإمام أحمد.

[…] وفي: «الصحيحين» عن ابن عباس –رضي الله عنه– قال: كنت أقرئ رجالاَ من المهاجرين؛ منهم: عبد الرحمن بن عوف…». اهـ.

وقال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله[6]: «وإني في هذا لا أغمض الشاب اليافع، إذ العلوم لا تقاس بالأشبار ولا بعظم الأجسام. وليس هو المعني، إنما المعني الحَدَث في العلم؛ فإن الأشياخ، وإن كانوا أشجار الوقار، ومعادن الإختيار، ورأي الشيخ خير من مشهد الغلام، فإن حداثة السن ليست مانعة من استقطاب الفضائل، وتحمل الرسائل. قال الله تعالى في شأن نبيه يحيى عليه السلام: (وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّا) وقال في أهل الكهف: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ)، (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ ءَامَنُوا بِرَبِّهِمْ). وقد ولى النبي -صلى الله عليه وسلم- عتابا على مكة وهو شاب، وفي مكة مشيخة قريش. وولى أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قيادة الجيش إلى الشام، وفيه من هو أكبر منه من الصحابة -رضي الله عنهم-. قيل: منهم عمر -رضي الله عنه-. وللمتنبي:

فمــا الحداثة من حـــلم بمانعة === قد يوجد الحلم في الشبان والشيب» اهـ.

فواقع السلف إذن يدل على أن الأمر ليس مرتبطا بالسن بقدر ما هو مرتبط بالأهلية، مع استحضار أفضلية من له زمن طويل وقدم صدق في المجال!

وفي الجملة خذها من العلامة صدّيق حسن خان رحمه الله وهو يتحدث عن تعريف “الشيخ”: «ومن زعم أن المُرَاد هنا مَنْ هُو في سِنّ يسنّ فيه التحديث وهو من نحو خمسين إلى ثمانين، فقد أبعد وتكلف والتزم المشي على القول المزيف؛ لأن الصحيح أن مدار التحديث على تأهل المحدث، فقد حدَّث البخاري وما في وجهه شعر، حتى أنه رد على بعض مشايخه غلطاً وقع له في سنده. وقد حدث مالك وهو ابن سبعة عشر. والشافعي وهو في حداثة السن. والحق أن الكرامة والفضيلة إنما هي بالعلم والعقل دون العمر والكبر. فكم من شيخ في سنّ يسنّ فيه التحديث وهو لا يهتدي إلى تمييز الطيب من الخبيث:

وعند الشيخ أجزاء كبار === مجلدة ولكن ما قراها

وكم من طفل صغير يفوق الشيخ الكبير في الدراية وملكة التحرير، والله يختص برحمته من يشاء.»اهـ

تلك كلمات مختصرة، أحببت أن أضعها هنا بين يدي سلسلة أعرض فيها شيئا من سير بعض العلماء الشباب، مع استنباط = استخراج بعض الدرر والفوائد من حياتهم؛ والمقصود شحذ الهمم، وموافقة خلق الوفاء، وأداء الحقوق، وتذكير الخلق بأن لنا في أمتنا ما يغنينا عن تقليد الآخرين، والنظر إلى شبابهم بعين التعظيم..

همُ البُدورُ ولكنْ لا أُفُولَ لَهُمْ === بلِ الشُّموسُ وقد فاقُوا بِنُورِهِمِ

والناظر في سير هؤلاء العلماء الشباب، يجد أنهم يتميزون بصفات كثيرة؛ منها:

  • الذكاء والنبوغ.
  • قوة الحفظ.
  • الجد والإجتهاد.
  • الغيرة على العلم.
  • الحرص العظيم على التطبيق العملي للإسلام، وبذل الجهد في الدعوة إلى الله على بصيرة.
  • كثرة التصانيف أو الأشرطة، مقارنة بأعمارهم، وهذا تبع للسابق من بعض الوجوه.

في أشياء أخر سنتعرض لها إن شاء الله عز وجل، ونسأل الله من فضله، وأن يتداركنا برحمته..

تنبيه:

لا يفهم مما ذُكر الحث والتشجيع على تصدُّر الشباب، وإنما هو ضرب من ضروب التشجيع على سلوك درب العلماء والاستفادة من (تراثهم)، وللشباب دور إذا جاوزوه وقع الفساد من حيث أُريد الإصلاح، كما أن إبعادهم عن المشاركة في الإصلاح ضرر، وحرمان من الإستفادة مما يحصل لهم من قوة وذكاء وما في هذا السياق…

وعلى العموم فهناك بون شاسع بين التصدر والتشبع، وبين بذل الجهد في الدعوة إلى سبيل الله على نهج النبي صلى الله عليه وسلم دون مجاوزة المقرر من الشارع.

العلماء الذين سنتحدث عنهم

الحكمي بن برجس

 لعل ما ذكرناه ينفعنا، ونرجوا أن ييسر الله عز وجل فنكمل (المقال) إن شاء الله، والذي سنتحدث فيه عن:

1-الشيخ حافظ الحكمي:

وهو شيخ مشايخنا الشيخ العلاَّمة أبو أحمد حافظ بن أحمد بن علي الحكمي المذحجي.

ولد يوم 24 رمضان سنة 1342 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بقرية السلام الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة (جازان) بالمملكة العربية السعودية.

اعتنى به الشيخ العلامة عبد الله القرعاوي لما رأى فيه من الذكاء وحسن الأدب.. وما هي إلا مدة وجيزة حتى صار أعجوبة زمانه، والمرء ليس يبالغ إن قال أن الرجل من نعم الله على المسلمين.

صارت كتبه مرجعا ومصدرا موثوفا عند أهل العلم.

والأمر كما قال تلميذه الشيخ زيد رحمه الله:

لَم تُبصر العين حَبرًا بعد رحلته === سد المكان ألا طوبى لذي قرب

1- الشيخ عبد السلام بن برجس:

عالم وداعية معروف ولد في الرياض في عام 1387هـ. طلب العلم على يد كبار أهل العلم كالعالم الشاب عبد الله الدويش والشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين…له تواليف أثتى عليها العلماء، عُيِّن قاضيا بوزارة العدل ثم طلب الإعفاء، ورشح في ديوان المظالم ثم طلب الإعفاء… تفرغ للتدريس والدعوة.

توفي في حادثة سير وهو في ريعان شبابه… لكن:

و إذا الكريم مَضى و ولَّى عُمره === كَفل الثَّناءُ له بعُمرٍ ثانِ

نحسبهم أهل فضل وعلم وتقوى والله حسيبهم ولا نزكي على الله أحدا، ونسأل الله أن يجمعنا بهم في جنته.

اللهم إنا نسألك من فضلك العظيم.

[يتبع إن شاء الله]

كتب ومواقع استعنت بها في كتابة المقال:

الكتب:

– الآداب الشرعية.

– التعالم.

– المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي للرامهرمزي.

– شرح حلية طالب العلم للشيخ ابن عثيمين.

– كتب في ترجمة الشيخ حافظ الحكمي.

– مقالات في ترجمة الشيخ عبد السلام بن برجس.

المواقع:

موقع الشيخ عبد السلام بن برجس.

موقع الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي.

 [العنوان: علماء شباب الشيخ حافظ الحكمي، والشيخ عبد السلام بن برجس] رحمهم الله تعالى وجمعنا بهم مع البي صلى الله عليه وسلم في الجنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]– قال الرازي في مختار الصَّحاح: «حَدَثٌ بفتحتين، أي: شاب، فإن ذكرت السِّن قلت حديث السن، وغِلْمان حِدْثان، أي: أحداث» ص 88.

[2] – حلية طالب العلم….

[3]– قال المحدِّث الرامهرمزي رحمه الله في (المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي): «قال القاضي: الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدِّث، هو أن يستوفي الخمسين؛ لأنها انتهاء الكهولة، وفيها مجتمع الأشُدِّ» اهـ. غير أنه لا يستنكر على من استوفى الأربعين، قال: «وليس بمستنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين، لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال، نُبِئَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين، وفي الأربعين تَتَنَاهَى عزيمة الإنسان وقوته، ويتوفر عقلُه، ويجُود رأيُه». اهـ.

[4]– وهذا الذي تقرأ مجرد تحرير للمسألة ليس إلا !! ويا لله كم الفرق بين المقرِّر والمقرَّر.

[5]– الآداب الشرعية لابن مفلح، ص 364، مؤسسة الرسالة.

[6]– ص24-25.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

AdBlock

Please Stop AdBlock! :(