هذه هي الجامعة يا صاحبي.. فاستعد

هي هكذا الحياة؛ مرحلةٌ فمرحلة، ويمضي الإنسان إلى أن يتوقف عن المضي.
ومن أبرز المراحل التي نمر منها: الجامعة، حيث القوة والفتوة، والإنتقال من واقع لآخر، ومن حال إلى حال… إنها مرحلة عمرية مميزة في حياتنا.

يا صاحبي هذه هي الجامعة فاستعد!
إن الجامعة ياصاحبي ليست كما تظن، فإنما هي مكان ليس يعرفه إلا من جربه؛ هنا ستعيش حياة الفقراء والغرباء، وترى منافسة شديدة منقطعة النظير؛ إنها باختصار يا صاحبي عالم آخر.
يا صاحبي.. الجامعة فقر وغربة
نعم يا صاحبي.. الجامعة فقر وغربة؛ والدراهم التي تملكها ليست تكفيك لشراء كتاب يفيدك في التخصص الذي سلكته، ثم إنك لن تجد من يطبخ لك الطعام… وسترى شبابا يشترون أطعمة غالية، وأنت بالكاد توفر قوتك اليومي… وسيأتي يوم تقول لصاحبك: أقرضني مالا ريثما… فلا عليك يا صاحبي، فإنما تحتاج إلى صبر وتخطيط.
يا صاحبي.. مالك وللذكاء
هيا يا صاحبي كن رجلا، ودعك من أيام كنت توصف فيها بالغبي، فإن معايير الجامعة في تحديد الذكاء مختلفة، ومالك وللذكاء إن كنت ذا عزيمة ومثابرة[1]!
ويا صاحبي الذكي لا تغتر؛ فإن الذكاء وحده ليس ينفع في شيء البتة، وسترى!
يا صاحبي.. بالقراءة تنمو العقول
يا صاحبي.. إن غذاء العقول القراءة فأدمن القراءة، واحرص على القراءة للكبار تكبر بسرعة، فالأمر كما قيل: ((على قدر جودة المحفوظ و طبقته، في جنسه، و كثرته من قلته، تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ))[2]، وهذا في القراءة أيضا.
يا صا حبي.. لن تستفيد منهم شيئا
يا صاحبي إنهم لن يقدموا لك المعلومة كما تريد، فابحث عنها أنت كما تريد، وأرجوا أن لا ترى في هذا الذي سأقوله الآن سوء أدب: ((لا تنخدع بدرجاتهم العلمية -الدكاترة- فإن الذي يغلب على محاضري الجامعات الجهل))… ومن لم ينفعك لحظه لا ينفعك لفظه، وهل يراد من العلم إلا العمل، فأين هؤلاء منه؟! نسأل الله الهداية فالثبات.
يا صاحبي.. أنت على ثغر
أنت على ثغر.. بل ثغور؛ ثغرة الأخلاق، والعمل بالعلم، ومخالطة الناس مع الصبر على أذاهم… فهيا يا صاحبي احتسب عند الله الأجر وانطلق.
يا صاحبي.. هنا الأفكار في صراع
إنه صراع تسمع عنه، وهو ليس كما تظنه، فدعهم وصراعاتهم وانطلق على بركة الله؛ دعوة أثرية ما شابتها شوائب المتحزبين، ولا تحريفات المبطلين، تكون فيها مصباحا يضيء لخلق الله، ومن رآه ذكر الله.
يا صاحبي.. لهم شبهات فاحذرها
أتدري يا صاحبي أن مصدر هذه الشبه التي تسمعها الجامعة! ولكم اجتهد بعض الفضلاء في جمع هذه الشبه والرد عليها، ولكن هيهات هيهات، فإنما الشبهة كاسمها، ترد على الواحدة وعلى الأبواب أخواتها…
وأنت في الجامعة ستختلط عليك الأمور… وستجد من معك في الصف يخذلك، وتجد طالب العلم يحيد عن المنهج في الطلب[3]،بل سترى زلات منهجية يشيب بها رأسك.. فاثبت كالجبل، وأعيذك بالله أن تغتر بما عندهم من باطل، فأنت أنت، أحسبك والله حسيبك.
يا صاحبي أسأل الله أن يحفظك ويوفقك ويفتح عليك فتبلغ مرادك، وتذكر: ما هي إلا مرحلة عمرية تقضيها، فإما أن تقضيها وتفتخر بسرد الحكاية لأبناءك وأحبابك فيما بعد، وإما أن تتذكرها وتقول: ياليتني… يسر الله لنا ولك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- قال أبو حنيفة لأبي يوسف : ((كُنْتَ بَلِيدًا فَأَخْرَجَتْكَ الْمُوَاظَبَة)) تعليم المتعلم للزرنوجي، ويا له من كلام عظيم النفع، خاصة في هذا الزمان.
2- قاله ابن خلدون رحمه الله، ولعله من الحسن إيراد كلامه جله لما فيه من النفع هنا: ((و على قدر جودة المحفوظ و طبقته في جنسه و كثرته من قلته تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ. فمن كان محفوظه من أشعار العرب الإسلاميين شعر حبيب أو العتابي أو ابن المعتز أو ابن هانئ أو الشريف الرضي أو رسائل ابن المقفع أو سهل ابن هارون أو ابن الزيات أو البديع أو الصابئ تكون ملكته أجود و أعلى مقاما و رتبة في البلاغة ممن يحفظ شعر ابن سهل من المتأخرين أو ابن النبيه أو ترسل البيساني أو العماد الأصبهاني لنزول طبقة هؤلاء عن أولئك يظهر ذلك للبصير الناقد صاجب الذوق. و على مقدار جودة المحفوظ أو المسموع تكون جودة الاستعمال من بعده ثم إجادة الملكة من بعدهما. فبارتقاء المحفوظ في طبقته من الكلام ترتقي الملكة الحاصلة لأن الطبع إنما ينسج على منوالها و تنمو قوى الملكة بتغذيتها)) [مقدمة ابن خلدون].
3- من باب الدلالة على الخير يحسن أن نشير إلى ألفية الآداب:عدة الطلب بنظم منهج التلقي والأدب للشيخ عبد الله سفيان الحكمي حفظه الله.
مقالة نشرت سنة 1436 هجرية الموافق ل 2014 ميلادية، بقلم: محمد بن زيد أبوري.