مراجعة كتاب فن اللامبالاة فهد الفهد
أي إغراء هذا؟ أن تجيد فن اللامبالاة في هذا العالم الذي لا يهدأ، عالم موحش، متوحش، اللامبالاة ليست سلبية مطلقة، ليست أمراً سهلاً، تحتاج اللامبالاة إلى جهد، كل اللامبالين في هذا العالم يمارسون لامبالاة جزئية، فبعضهم لا يبالي سياسياً، لا يهمه ما يحدث في بلده أو في العالم، لا تنفذ الحروب البعيدة إلى وعيه ولا تفسد سكينته، آخرون لا يبالون اجتماعياً، لا يبحثون عن الآخرين، عن رضاهم، لا يهتمون بمن جاء ولا بمن ذهب، اللامبالون مالياً لا يحسبون حساب المال، لا يفكرون باليوم التالي ولا كيف ستأتي ريالاته أو هل ستأتي؟ لهذا كله يفتش كلاً منا عن اللامبالاة التي تنقصه، ويشن الحملات على اللامبالاة التي لا ترضيه، كيف لا تبالي بما يحدث في سوريا؟ في فلسطين؟ العراق واليمن والسودان وليبيا؟ أيها اللامبالي سياسياً! كيف لا تخطط لمستقبلك وتدخر المال لأيام قد تسود بسرعة أيها اللامبالي مالياً؟ كيف تعالج خرابات روحك وعلاقاتك التي تتفكك أيها اللامبالي اجتماعياً؟ يقلقنا هذا السلام الظاهري الذي يعيشه اللامبالي، نحسده عليه، كيف يمكن له أن ينعس في النهار وينام في الليل، تغيضنا ملامحه وتعبيراته المستسهلة لكل صعب، نحمل الكثير من الأشياء حمولات ثقيلة فلذا يبدو لنا من لا يهتم بكل هذا الثقل إنساناً مختلفاً.
في قصة قرأتها في أحد الكتب التراثية يخرج رجال في زمن فتنة واضطراب وخوف من مدينتهم التي يعيشون فيها إلى برية قريبة حيث يعيش رجل معتزل في صومعة، كان هدف الزيارة هو الفرار من الجو المشحون والمترقب في المدينة، والأخبار السيئة التي تنهال من كل زاوية ومع كل قافلة، يمكننا تخيل مسيرتهم المقفرة تلك وتخافتهم، سيقضون سويعات مع ذلك الرجل الصالح الزاهد واللامبالي، ساعة تخرجهم من هذه الأرض وتضعهم في عالم أخروي لا خوف فيه ولا حزن ولا هم، ولكنهم فوجئوا حالما وصلوا بالرجل الصالح يسألهم عن الأخبار ويستزيدهم من الحوادث التي خلفوها ورائهم، فعادوا بروح أثقل، لم يجدوا لامبالياً يخفف عنهم ما يجدون، لم يغنموا سويعات هروب كما أملوا.
هذا الكتاب لم يقدم لي شيئاً معتبراً أو مهماً حول اللامبالاة، ربما لأن اللامبالاة لا ترتبط بالوعي، جزء كبير من اللامبالاة مرتبط بجهلك بالموضوع أو عدم متابعتك له وتهوينك من تأثيراته، حاول أن تعلم اللامبالاة لإنسان مهدد في حياته أو في رزقه أو في معتقداته! حينها ستتعلم أن اللامبالاة والسلام الداخلي نادر الوجود ويحتاج إلى مجهود ذهني وعقيدة أو فلسفة حيال الحياة وكيف يمكن أن تعاش.
التقييم الشخصي للكتاب
ستتعلم أن اللامبالاة والسلام الداخلي نادر الوجود ويحتاج إلى مجهود ذهني وعقيدة أو فلسفة حيال الحياة وكيف يمكن أن تعاش.
جميل جدا