المحتوى العربي على النت.. ألم وأمل

إن سرد تلك الإحصائيات عن المحتوى العربي على النت ووضعها هنا بين أيديكم لا يفيد شيئا، ويكفي أن يعلم من لا يعلم أنه ضئيل جدا[1].
والعرب بطبعهم -وإن كان الكثير منهم تخل عن طبعه- لا يرضون بأن يكونوا في المؤخرة، فإذا اجتمع الإسلام والعروبة زاد ذلك الطبع حدة وانتفض المرء حتى يصير من الأوائل.
اللغة العربية العربية.. ذلك التراث المسروق:
ولست أحتاج بعد هذ العنوان إلى سرد كلمة، فبين ثناياه المقصود، فتأمله، واحرص على استرجاعه من سارقك.
ثم إن مشكلتنا نحن العرب أننا لا نعرف حضارتنا، وإن كان منا من يعرف حضارتها فقد اتكأ عليها، ولم يسع في المحافظة عليها أو قل لم يرد استرجاعها.
يقول أمير الشعراء شوقي -رحمه الله-:
اقْرَأُوا التَّارِيخَ إذ فيهِ الْعِبَر === ضَلَّ قَوْمٌ لَيْسَ يَدْرُونَ الخَبَر
جوجل واللغة العربية:
إن موقع جوجل يشكل وبامتياز الموقع الأول لدى رواد النت، فبه ومنه يطلون على ما يريدون، فلذلك كان بحق وصدق من عوامل عدم إثراء المحتوى العربي بشكل نسبي.
أزيدك شرحا واضحا إن كنت تفهم شيئا عن SEO، فأقول: موقع جوجل يدعم المحتوى العربي المفتوح نوعا ما، وهنا مكمن المشكل. يقول تامر عمران[2]: القصد من إنشاء مدونة لدى كثير من العرب الحصول على الأرباح، فلذلك تجده يتبع قواعد تحسين محركات البحث ويراعيها أشد المراعاة. فإذا أراد أن يضع كلمة بحثية في تدوينة أو مقال أو خبر، يجد أن هناك 10 آلاف من الزوار يبحثون عن كلمة «اله»، والحقيقة أنهم يقصدون كلمة «آلة»![3] وستجد أنه هناك 500 شخص فقط هم من يبحثون عن كلمة «آلة».
إذن هل ستكون ممن سيقولون: لن أتخلى عن لغتي العربية مقابل 9500 زائر، أم أنك لن تعر أي أهمية للموضوع وستنطلق في تحقيق أرباحك؟
فهنا إذن يكمن الخلل، ويتشارك في ذلك (المدون + الزائر+ جوجل) وإنما أدخلنا جوجل ف المعمعمة لأن باستطاعته حل المشكلة، وذلك عن طريق وضع مُصحح لغوي مع الاقتراحات التي تظهر، فلا تظهر نتائج البحث إلا بكلمة صحيحة، وهو أمر سهل جدا على شركة مثل جوجل.
خطوات نحو إثراء المحتوى العربي:
– ينبغي لكل عربي أن يعلم أن له قدرات يستطيع بها إثراء المحتوى العربي على النت، وليس بالضرورة أن يكون مجيدا لاستخدام البرامج الكبيرة وأن يمتلك مدونة… فأطلق لخيالك العنان وفتش عن مواهبك وساهم في الإثراء.
– كن كما قال ستيف جوبز «كن أحمقا، كن جائعاً» أي كن أحمقا تقرأ كل مقال وإن كنت تتوقع أنك تعرف ما فيه[4]، وجائعا للاستفادة من خبرات وتجارب وحِكَم الآخرين.
– ثم اجتهد في دراسة لغتك وتدريسها وإفادة غيرك بفائدة لغوية تعلمتها.
محاذير:
- النسخ واللصق قد لا يفيد المحتوى العربي أبدا، بل يضره.
- لا تكن ممن إذا اضطروا إلى نقل موضوع معين لا يذكرون مصدره، أو يضع كلمة منقول فقط دون ذكر المصدر.
- ترجمة مقال ونسبتها لك من أسوأ المحاذير، وهو ضرر محض ولعله يعرضك لمشاكل.
- السير على منهج أصجاب زُرَاعِ المحتوى ضرر محض، ومحق بركة، وفقدان ثقة، وهو من قبل لا يقوم به إلا سيء الطوية.
ومضات:
قال العلامة بكر أبو زيد : «هذه الشوارع التجارية في ديار العروبة ومنازل الإسلام يجدها الناظر مشحونة بالعناوين والأسامي واللغات التي لا يمكن بحال أن يرضاها أهل اللسان العربي».
قال الأديب الرافعي: «اللغة هي صورة وجود الأمة بأفكارها ومعانيها، وحقائق نفوسها، وجودا متميزا قائما بخصائصه».
هيا بنا نعقد الهمة والعزم على إثراء المحتوى العربي على هذه الشابكة، والله يعيننا ويسدد خطانا.
أمل:
لازال في القلوب أمل من أنه سوف يأتي زمان تستعيد فيه هذه الأمة مجدها، فهل من عالي همة يساهم في العمل لإعادة هذا المجد؛ بأن يكون أول الملتزمين بنصرة هذه اللغة، فيحرص على تقويم لحنه، والتقرب إلى الله بدراسة لغته والإطلاع على تراث أسلافه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* وقد استعنت في كتابة هذا المقال بمواقع وكتب؛ أما الكتب: تغريب الألقاب العلمية للشيخ بكر أبو زيد رحمه الله، وفضل العربية للشيخ محمد رسلان. وأما المواقع: موقع المتون العلمية، موقع عالم التقنية، شبكة الجزيرة، ومجلة أراجيك.
[1]– ذكرت دراسة نشرتها شبكة الجزيرة عن الإتحاد الدولي للإتصالات أن نسبة المحتوى العربي سنة 2012 هي 3%.
[2]– محرر تقني، كاتب وشاعر، أخصائي تحسين محركات البحث SEO وتسويق إلكتروني eM، والكلام فيه تصرف يسير مني.
[3]– وذلك راجع إلى الجهل بقواعد الإملاء، والله المستعان.
[4]– مع مراعاة سياق الكلام في هذا المقام.
مقالة نشرت سنة 1436 هجرية الموافق ل 2014 ميلادية، بقلم: محمد بن زيد أبوري.