عمر بن عبد العزيز رحمه الله

عمر بن عبد العزيز | المصدر: من سير أعلام النبلاء. | 40 سنة | علماء شباب
عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب ، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد السيد أمير المؤمنين حقا أبو حفص ، القرشي الأموي المدني ثم المصري ، الخليفة الزاهد الراشد أشج بني أمية.
حدث عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، والسائب بن يزيد ، وسهل بن سعد ، واستوهب منه قدحا شرب منه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم بأنس بن مالك ، فقال : ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا الفتى.
وحدث أيضا عن سعيد بن المسيب ، وعروة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وعبد الله بن إبراهيم بن قارظ ، وعامر بن سعد ، ويوسف بن عبد الله بن سلام ، وطائفة . وأرسل عن عقبة بن عامر ، وخولة بنت حكيم ، وغيرهم.
وكان من أئمة الاجتهاد ، ومن الخلفاء الراشدين -رحمة الله عليه-.
حدث عنه أبو سلمة أحد شيوخه ، وأبو بكر بن حزم ، ورجاء بن حيوة ، وابن المنكدر ، والزهري ، وعنبسة بن سعيد ، وأيوب السختياني ، وإبراهيم بن عبلة ، وتوبة العنبري ، وحميد الطويل ، وصالح بن محمد بن زائدة الليثي، وابنه عبد العزيز بن عمر ، وأخوه زبان ، وصخر بن عبد الله بن حرملة ، وابنه عبد الله بن عمر ، وعثمان بن داود الخولاني ، وأخوه سليمان بن داود ، وعمر بن عبد الملك ، وعمر بن عامر البجلي ، وعمرو بن مهاجر ، وعمير بن هانئ العنسي ، وعيسى بن أبي عطاء الكاتب ، وغيلان بن أنس ، وكاتبه ليث بن أبي رقية ، وأبو هاشم مالك بن زياد ، ومحمد بن أبي سويد الثقفي ، ومحمد بن قيس القاص ، ومروان بن جناح ، ومسلمة بن عبد الملك الأمير ، والنضر بن عربي ، وكاتبه نعيم بن عبد الله القيني ، ومولاه هلال أبو طعمة ، والوليد بن هشام المعيطي ويحيى بن سعيد الأنصاري ، ويعقوب بن عتبة بن المغيرة ، وخلق سواهم .
قال ابن سعد في الطبقة الثالثة من تابعي أهل المدينة فقال : أمه هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب . قالوا : ولد سنة ثلاث وستين ، قال : وكان ثقة مأمونا ، له فقه وعلم وورع ، وروى حديثا كثيرا ، وكان إمام عدل -رحمه الله- ورضي عنه.
وقال الزبير بن بكار : وإخوته من أبويه عاصم وأبو بكر ومحمد.
وقال الفلاس : سمعت الخريبي يقول : الأعمش ، وهشام بن عروة ، وعمر بن عبد العزيز ، وطلحة بن يحيى ولدوا سنة مقتل الحسين ، يعني سنة إحدى وستين ، وكذلك قال خليفة بن خياط وغير واحد في مولده.
وذكر صفته سعيد بن عفير : أنه كان أسمر ، رقيق الوجه ، حسنه ، نحيف الجسم ، حسن اللحية ، غائر العينين ، بجبهته أثر نفحة دابة ، قد وخطه الشيب .
وقال إسماعيل الخطبي : رأيت صفته في بعض الكتب : كان أبيض ، رقيق الوجه ، جميلا ، نحيف الجسم ، حسن اللحية ، غائر العينين ، بجبهته أثر حافر دابة ، فلذلك سمي أشج بني أمية ، وقد وخطه الشيب .
قال ضمرة بن ربيعة : دخل عمر بن عبد العزيز إلى إصطبل أبيه ، وهو غلام ، فضربه فرس ، فشجه ، فجعل أبوه يمسح عنه الدم ، ويقول : إن كنت أشج بني أمية إنك إذا لسعيد .
وروى ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل : أن عمر بن عبد العزيز بكى وهو غلام صغير ، فأرسلت إليه أمه ، وقالت ما يبكيك ؟ قال ذكرت الموت قال : وكان يومئذ قد جمع القرآن ، فبكت أمه حين بلغها ذلك .
أبو خيثمة : حدثنا المفضل بن عبد الله ، عن داود بن أبي هند قال : دخل علينا عمر بن عبد العزيز من هذا الباب – يعني بابا من أبواب المسجد بالمدينة – فقال رجل من القوم : بعث إلينا هذا الفاسق بابنه هذا يتعلم الفرائض والسنن ، وزعم أنه يكون خليفة بعده ، ويسير بسيرة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- .
قال : فقال لنا داود : فوالله ما مات حتى رأينا ذلك فيه .
قيل : إن عمر بن الخطاب قال : إن من ولدي رجلا ، بوجهه شتر ، يملأ الأرض عدلا .
مبارك بن فضالة ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع قال : قال ابن عمر : يا ليت شعري من هذا الذي من ولد عمر يملؤها عدلا ، كما ملئت ظلما وجورا .
سعيد بن عفير : حدثنا يعقوب ، عن أبيه أن عبد العزيز بن مروان بعث ابنه عمر إلى المدينة يتأدب بها ، وكتب إلى صالح بن كيسان يتعاهده ، وكان يلزمه الصلوات ، فأبطأ يوما عن الصلاة ، فقال : ما حبسك ؟ قال : كانت مرجلتي تسكن شعري ، فقال : بلغ من تسكين شعرك أن تؤثره على الصلاة ، وكتب بذلك إلى والده ، فبعث عبد العزيز رسولا إليه فما كلمه حتى حلق شعره وكان عمر بن عبد العزيز يختلف إلى عبيد الله بن عبد الله ، يسمع منه العلم ، فبلغ عبيد الله أن عمر يتنقص عليا ، فأقبل عليه ، فقال : متى بلغك أن الله -تعالى- سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم ، قال : فعرف ما أراد ، فقال معذرة إلى الله وإليك ، لا أعود . فما سمع عمر بعدها ذاكرا عليا -رضي الله عنه- إلا بخير .
نقل الزبير بن بكار عن العتبي : أن أول ما استبين من عمر بن عبد العزيز أن أباه ولي مصر ، وهو حديث السن ، يشك في بلوغه ، فأراد إخراجه ، فقال : يا أبت . أو غير ذلك ؟ لعله أن يكون أنفع لي ولك : ترحلني إلى المدينة ، فأقعد إلى فقهاء أهلها ، وأتأدب بآدابهم ، فوجهه إلى المدينة ، فاشتهر بها بالعلم والعقل مع حداثة سنه . قال : ثم بعث إليه عبد الملك بن مروان عند وفاة أبيه ، وخلطه بولده ، وقدمه على كثير منهم ، وزوجه بابنته فاطمة التي قيل فيها : بنت الخليفة ، والخليفة جدها أخت الخلائف ، والخليفة زوجها وكان الذين يعيبون عمر ممن يحسده بإفراطه في النعمة ، واختياله في المشية .
وقال أبو مسهر : ولي عمر المدينة في إمرة الوليد من سنة ست وثمانين إلى سنة ثلاث وتسعين .
قلت : ليس له آثار سنة ثنتين وسبعين بالمدينة ، ولا سماع من جابر بن عبد الله ، ولو كان بها وهو حدث لأخذ عن جابر .
وقال أبو بكر بن عياش حج بالناس عمر بن عبد العزيز غير مرة ، أولها سنة تسع وثمانين .
ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، قال لما قدم عمر بن عبد العزيز المدينة واليا ، فصلى الظهر دعا بعشرة : عروة ، وعبيد الله ، وسليمان بن يسار ، والقاسم ، وسالم ، وخارجة ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه ، ونكون فيه أعوانا على الحق ، ما أريد أن أقطع أمرا إلا برأيكم ، أو برأي من حضر منكم ، فإن رأيتم أحدا يتعدى ، أو بلغكم عن عامل ظلامة ، فأحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني فجزوه خيرا ، وافترقوا .
الليث بن سعد : حدثني قادم البربري أنه ذاكر ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيئا من قضاء عمر بن عبد العزيز إذ كان بالمدينة ، فقال ربيعة : كأنك تقول : أخطأ ، والذي نفسي بيده ما أخطأ قط .
قال أبو زرعة عبد الأحد بن أبي زرارة القتباني : سمعت مالكا يقول : أتى فتيان إلى عمر بن عبد العزيز ، وقالوا : إن أبانا توفي وترك مالا عند عمنا حميد الأمجي فأحضره عمر ، فلما دخل قال : أنت القائل :
حميد الذي أمج داره === أخو الخمر ذو الشيبة الأصلع
أتاه المشيب على شربها === وكان كريما فلم ينزع
قال : نعم ، قال : ما أراني إلا سوف أحدك ، إنك أقررت بشرب الخمر ، وإنك لم تنزع عنها ، قال : أيهات ! أين يذهب بك ؟ ألم تسمع الله يقول : ﴿وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ﴾ [الشعراء: 224-225] . فقال : أولى لك يا حميد ، ما أراك إلا قد أفلت ، ويحك يا حميد ! كان أبوك رجلا صالحا ، وأنت رجل سوء ، قال : أصلحك الله ، وأينا يشبه أباه ؟ كان أبوك رجل سوء ، وأنت رجل صالح . قال : إن هؤلاء زعموا أن أباهم توفي وترك مالا عندك ، قال : صدقوا ، وأحضره بختم أبيهم ، وقال : أنفقت عليهم من مالي ، وهذا مالهم . قال : ما أحد أحق أن يكون هذا عنده منك ، فقال : أيعود إلي وقد خرج مني ؟ ! .
العطاف بن خالد : حدثنا زيد بن أسلم قال لنا أنس : ما صليت وراء إمام بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشبه صلاة برسول الله من إمامكم هذا – يعني عمر بن عبد العزيز – قال زيد : فكان عمر يتم الركوع والسجود ، ويخفف القيام والقعود .
قال سهيل بن أبي صالح : كنت مع أبي غداة عرفة ، فوقفنا لننظر لعمر بن عبد العزيز ، وهو أمير الحاج ، فقلت : يا أبتاه ! والله إني لأرى الله يحب عمر ، قال : لم ؟ قلت : لما أراه دخل له في قلوب الناس من المودة ، وأنت سمعت أبا هريرة يقول : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إذا أحب الله عبدا نادى جبريل : إن الله قد أحب فلانا فأحبوه الحديث . وعن أبي جعفر الباقر قال : لكل قوم نجيبة له وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبد العزيز ، إنه يبعث أمة وحده
روى الثوري ، عن عمرو بن ميمون قال : كانت العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة .
معمر ، عن أخي الزهري قال : كتب الوليد إلى عمر – وهو على المدينة – أن يضرب خبيب بن عبد الله بن الزبير فضربه أسواطا ، وأقامه في البرد ، فمات . قلت : كان عمر إذا أثنوا عليه ، قال : فمن لي بخبيب رحمهما الله .
قلت : قد كان هذا الرجل حسن الخلق والخلق ، كامل العقل ، حسن السمت ، جيد السياسة ، حريصا على العدل بكل ممكن ، وافر العلم ، فقيه النفس ، ظاهر الذكاء والفهم ، أواها منيبا ، قانتا لله ، حنيفا زاهدا مع الخلافة ، ناطقا بالحق مع قلة المعين ، وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملوه وكرهوا محاققته لهم ، ونقصه أعطياتهم ، وأخذه كثيرا مما في أيديهم ، مما أخذوه بغير حق ، فما زالوا به حتى سقوه السم ، فحصلت له الشهادة والسعادة ، وعد عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين ، والعلماء العاملين .
مبشر بن إسماعيل ، عن جعفر بن برقان ، عن ميمون بن مهران قال : أتينا عمر بن عبد العزيز ، ونحن نرى أنه يحتاج إلينا ، فما كنا معه إلا تلامذة . وكذلك جاء عن مجاهد وغيره . وفي ” الموطأ ” بلغني أن عمر بن عبد العزيز حين خرج من المدينة ، التفت إليها ، فبكى ، ثم قال : يا مزاحم أتخشى أن نكون ممن نفته المدينة .
ابن إسحاق ، عن إسماعيل بن أبي حكيم : سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : خرجت من المدينة وما من رجل أعلم مني ، فلما قدمت الشام نسيت .
معمر ، عن الزهري قال : سمرت مع عمر بن عبد العزيز ليلة ، فحدثته ، فقال : كل ما حدثته الليلة فقد سمعته ، ولكنك حفظت ونسينا .
عقيل ، عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن الوليد أرسل إليه بالظهيرة ، فوجده قاطبا بين عينيه ، قال : فجلست وليس عنده إلا ابن الريان ، قائم بسيفه ، فقال : ما تقول فيمن يسب الخلفاء ؟ أترى أن يقتل ؟ فسكت ، فانتهرني ، وقال : ما لك ؟ فسكت ، فعاد لمثلها ، فقلت : أقتل يا أمير المؤمنين ؟ قال : لا ، ولكنه سب الخلفاء ، قلت : فإني أرى أن ينكل ، فرفع رأسه إلى ابن الريان ، فقال : إنه فيهم لنابه .
عن عبد العزيز بن يزيد الأيلي قال : حج سليمان ، ومعه عمر بن عبد العزيز ، فأصابهم برق ورعد حتى كادت تنخلع قلوبهم ، فقال سليمان : يا أبا حفص ! هل رأيت مثل هذه الليلة قط ، أو سمعت بها ؟ قال يا أمير المؤمنين ! هذا صوت رحمة الله ، فكيف لو سمعت صوت عذاب الله ! ؟ .
وروى ابن عيينة عن رجل : قال عمر بن عبد العزيز : ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر أهله .
عبد العزيز بن الماجشون حدثنا عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال عمر : إنا كنا نتحدث ، وفي لفظ : يزعم الناس أن الدنيا لا تنقضي حتى يلي رجل من آل عمر ، يعمل بمثل عمل عمر ، قال : فكان بلال ولد عبد الله بن عمر بوجهه شامة ، وكانوا يرون أنه هو حتى جاء الله بعمر بن عبد العزيز ، أمه هي ابنة عاصم بن عمر . رواه جماعة عنه .
جويرية ، عن نافع بلغنا أن عمر قال : إن من ولدي رجلا بوجهه شين ، يلي فيملأ الأرض عدلا ، قال نافع : فلا أحسبه إلا عمر بن عبد العزيز .
وروى عبيد الله بن عمر ، عن نافع قال : كان ابن عمر يقول : ليت شعري ! من هذا الذي من ولد عمر ، في وجهه علامة ، يملأ الأرض عدلا . تفرد به مبارك بن فضالة عنه ، وهو صدوق .
ضمرة بن ربيعة ، عن السري بن يحيى ، عن رياح بن عبيدة قال : خرج عمر بن عبد العزيز إلى الصلاة ، وشيخ متوكئ على يده ، فقلت في نفسي : هذا شيخ جاف ، فلما صلى ودخل ، لحقته فقلت : أصلح الله الأمير ، من الشيخ الذي كان يتكئ على يدك ؟ فقال يا رياح ! رأيته ؟ قلت : نعم ، قال : ما أحسبك إلا رجلا صالحا ، ذاك أخي الخضر ، أتاني فأعلمني أني سألي أمر الأمة ، وأني سأعدل فيها .
المدائني عن جرير بن حازم ، عن هزان بن سعيد ، حدثني رجاء بن حيوة قال : لما ثقل سليمان بن عبد الملك رآني عمر بن عبد العزيز في الدار ، أخرج وأدخل ، وأتردد فقال : يا رجاء ! أذكرك الله والإسلام أن تذكرني لأمير المؤمنين ، أو تشير بي ، فوالله ما أقوى على هذا الأمر ، فانتهرته ، وقلت : إنك لحريص على الخلافة ، فاستحيى ، ودخلت ، فقال لي سليمان : من ترى لهذا الأمر ؟ فقلت : اتق الله ، فإنك قادم على الله -تعالى- وسائلك عن هذا الأمر ، وما صنعت فيه ، قال : فمن ترى ؟ قلت : عمر بن عبد العزيز ، قال : كيف أصنع بعهد عبد الملك إلى الوليد وإلي في ابني عاتكة أيهما بقي ، قلت : تجعله من بعده ، قال : أصبت ، جئني بصحيفة ، فأتيته بصحيفة ، فكتب عهد عمر ويزيد بن عبد الملك من بعد ، ثم دعوت رجالا ، فدخلوا ، فقال : عهدي في هذه الصحيفة مع رجاء ، اشهدوا واختموا الصحيفة ، قال : فلم يلبث أن مات ، فكففت النساء عن الصياح ، وخرجت إلى الناس ، فقالوا : كيف أمير المؤمنين ؟ قلت : لم يكن منذ اشتكى أسكن منه الساعة ، قالوا : لله الحمد .
قال ابن عيينة : حدثني من شهد دابقا ، وكان مجتمع غزو الناس ، فمات سليمان بدابق ، ورجاء بن حيوة صاحب أمره ومشورته ، خرج إلى الناس ، فأعلمهم بموته ، وصعد المنبر فقال : إن أمير المؤمنين كتب كتابا ، وعهد عهدا ، وأعلمهم بموته ، أفسامعون أنتم مطيعون ؟ قالوا : نعم ، وقال هشام : نسمع ونطيع إن كان فيه استخلاف رجل من بني عبد الملك ، قال : ويجذبه الناس حتى سقط إلى الأرض ، وقالوا سمعنا وأطعنا ، فقال : رجاء قم يا عمر – وهو على المنبر – فقال عمر : والله إن هذا لأمر ما سألته الله قط .
الوليد بن مسلم ، عن عبد الرحمن بن حسان الكناني قال : لما مرض سليمان بدابق قال : يا رجاء ! أستخلف ابني ؟ قال : ابنك غائب ، قال : فالآخر؟ قال : هو صغير ، قال : فمن ترى ؟ قال : عمر بن عبد العزيز ، قال : أتخوف بني عبد الملك أن لا يرضوا ، قال : فوله ، ومن بعده يزيد بن عبد الملك ، وتكتب كتابا وتختمه ، وتدعوهم إلى بيعة مختوم عليها ، قال : فكتب العهد وختمه ، فخرج رجاء ، وقال : إن أمير المومنين يأمركم أن تبايعوا لمن في هذا الكتاب ، قالوا : ومن فيه ؟ قال : مختوم ، ولا تخبرون بمن فيه حتى يموت ، فامتنعوا ، فقال سليمان : انطلق إلى أصحاب الشرط ، وناد الصلاة جامعة ، ومرهم بالبيعة ، فمن أبى فاضرب عنقه ، ففعل ، فبايعوا ، قال رجاء : فلما خرجوا ، أتاني هشام في موكبه ، فقال : قد علمت موقفك منا ، وأنا أتخوف أن يكون أمير المؤمنين أزالها عني ، فأعلمني ما دام في الأمر نفس ، قلت : سبحان الله ! يستكتمني أمير المؤمنين ، وأطلعك ، لا يكون ذاك أبدا ، فأدارني وألاصني فأبيت عليه ، فانصرف ، فبينا أنا أسير إذ سمعت جلبة خلفي ، فإذا عمر بن عبد العزيز ، فقال : يا رجاء ! قد وقع في نفسي أمر كبير من هذا الرجل ، أتخوف أن يكون جعلها إلي ولست أقوم بهذا الشأن ، فأعلمني ما دام في الأمر نفس لعلي أتخلص ، قلت : سبحان الله ! يستكتمني أمرا أطلعك عليه! ! روى نحوها الواقدي .
حدثنا داود بن خالد ، عن سهيل بن أبي سهيل ، سمع رجاء بن حيوة يقول . وزاد : فصلى على سليمان عمر بن عبد العزيز ، فلما فرغ من دفنه ، أتي بمراكب الخلافة ، فقال : دابتي أرفق لي ، فركب بغلته ، ثم قيل : تنزل منزل الخلافة ؟ قال : فيه عيال أبي أيوب ، وفي فسطاطي كفاية ، فلما كان مساء تلك الليلة ، قال : يا رجاء ! ادع لي كاتبا ، فدعوته فأملى عليه كتابا أحسن إملاء وأوجزه ، وأمر به فنسخ إلى كل بلد .
وقد كان سليمان بن عبد الملك من أمثل الخلفاء ، نشر علم الجهاد ، وجهز مائة ألف برا وبحرا فنازلوا القسطنطينية ، واشتد القتال والحصار عليها أكثر من سنة .
قال سعيد بن عبد العزيز : ولي سليمان ، فقال لعمر بن عبد العزيز : يا أبا حفص ! إنا ولينا ما قد ترى ، ولم يكن لنا بتدبيره علم ، فما رأيت من مصلحة العامة ، فمر به ، فكان من ذلك عزل عمال الحجاج ، وأقيمت الصلوات في أوقاتها بعدما كانت أميتت عن وقتها ، مع أمور جليلة كان يسمع من عمر فيها ، فقيل : إن سليمان حج ، فرأى الخلائق بالموقف ، فقال لعمر : أما ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله ؟ قال هؤلاء اليوم رعيتك ، وهم غدا خصماؤك ، فبكى بكاء شديدا .
قلت : كان عمر له وزير صدق ، ومرض بدابق أسبوعا ، وتوفي وكان ابنه داود غائبا في غزو القسطنطينية .
وعن رجاء بن حيوة قال : ثقل سليمان ، ولما مات أجلسته وسندته وهيأته ، ثم خرجت إلى الناس ، فقالوا : كيف أصبح أمير المؤمنين ؟ قلت : أصبح ساكنا ، فادخلوا سلموا عليه ، وبايعوا بين يديه على ما في العهد ، فدخلوا ، وقمت عنده ، وقلت : إنه يأمركم بالوقوف ، ثم أخذت الكتاب من جيبه ، وقلت : إن أمير المؤمنين يأمركم أن تبايعوا على ما في هذا الكتاب ، فبايعوا ، وبسطوا أيديهم ، فلما فرغوا ، قلت : آجركم الله في أمير المؤمنين ، قالوا : فمن ؟ ففتحت الكتاب ، فإذا فيه : عمر بن عبد العزيز ، فتغيرت وجوه بني عبد الملك ، فلما سمعوا : ” وبعده يزيد ” تراجعوا ، وطلب عمر فإذا هو في المسجد ، فأتوه ، وسلموا عليه بالخلافة فعقر فلم يستطع النهوض حتى أخذوا بضبعيه ، فأصعدوه المنبر ، فجلس طويلا لا يتكلم ، فقال رجاء : ألا تقومون إلى أمير المؤمنين فتبايعونه ، فنهضوا إليه ، ومد يده إليهم ، فلما مد هشام بن عبد الملك يده إليه ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقال عمر : نعم إنا لله ، حين صار يلي هذه الأمة أنا وأنت ، ثم قام ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وقال : أيها الناس ! إني لست بفارض ، ولكني منفذ ، ولست بمبتدع ، ولكني متبع ، وإن من حولكم من الأمصار إن أطاعوا كما أطعتم ، فأنا واليكم ، وإن هم أبوا فلست لكم بوال ، ثم نزل ، فأتاه صاحب المراكب ، فقال : لا ائتوني بدابتي ، ثم كتب إلى عمال الأمصار . قال رجاء : كنت أظن أنه سيضعف ، فلما رأيت صنعه في الكتاب علمت أنه سيقوى .
قال عمرو بن مهاجر : صلى عمر المغرب ، ثم صلى على سليمان .
قال ابن إسحاق : مات سليمان يوم الجمعة عاشر صفر سنة تسع وتسعين .
قال خالد بن مرداس ، حدثنا الحكم بن عمر ، شهدت عمر بن عبد العزيز حين جاءه أصحاب مراكب الخلافة يسألونه العلوفة ورزق خدمها ، قال : ابعث بها إلى أمصار الشام يبيعونها ، واجعل أثمانها في مال الله ، تكفيني بغلتي هذه الشهباء .
وعن الضحاك بن عثمان قال : لما انصرف عمر بن عبد العزيز عن قبر . سليمان ، قدموا له مراكب سليمان ، فقال :
فلولا التقى ثم النهى خشية الردى === لعاصيت في حب الصبا كل زاجر
قضى ما قضى فيما مضى ثم لا ترى === له صبوة أخرى الليالي الغوابر
لا قوة إلا بالله .
سفيان بن وكيع : حدثنا ابن عيينة ، عن عمر بن ذر أن مولى لعمر بن عبد العزيز قال له بعد جنازة سليمان : ما لي أراك مغتما ؟ قال : لمثل ما أنا فيه فليغتم ، ليس أحد من الأمة إلا وأنا أريد أن أوصل إليه حقه غير كاتب إلي فيه ، ولا طالبه مني .
قال عبيد الله بن عمر : خطبهم عمر ، فقال : لست بخير أحد منكم ، ولكني أثقلكم حملا .
أيوب بن سويد : حدثنا يونس ، عن الزهري قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم ليكتب إليه بسيرة عمر في الصدقات ، فكتب إليه بذلك ، وكتب إليه : إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه ورجاله في مثل زمانك ورجالك ، كنت عند الله خيرا من عمر ،
قلت : هذا كلام عجيب ، أنى يكون خيرا من عمر ؟ حاشا وكلا ، ولكن هذا القول محمول على المبالغة ، وأين عز الدين بإسلام عمر ؟ وأين شهوده بدرا ؟ وأين فرق الشيطان من عمر ؟ وأين فتوحات عمر شرقا وغربا ؟ وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
حماد بن زيد ، عن أبي هاشم أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال : رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم ، وأبو بكر عن يمينه ، وعمر عن شماله ، فإذا رجلان يختصمان وأنت بين يديه ، فقال لك : يا عمر ! إذا عملت فاعمل بعمل هذين ، فاستحلفه بالله لرأيت ؟ فحلف له ، فبكى .
قال ميمون بن مهران : إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي ، وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبد العزيز .
قال حماد بن أبي سليمان : لما ولي عمر بن عبد العزيز بكى ، فقال له رجل : كيف حبك للدنيا والدرهم ؟ قال : لا أحبه ، قال : لا تخف ، فإن الله سيعينك .
يعقوب الفسوي : حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى ، حدثني أبي ، عن جدي قال : كنت أنا وابن أبي زكريا بباب عمر بن عبد العزيز ، فسمعنا بكاء ، فقيل : خير أمير المؤمنين امرأته بين أن تقيم في منزلها وعلى حالها ، وأعلمها أنه قد شغل بما في عنقه عن النساء ، وبين أن تلحق بمنزل أبيها ، فبكت ، فبكت جواريها .
جرير ، عن مغيرة ، قال : كان لعمر بن عبد العزيز سمار يستشيرهم ، فكان علامة ما بينهم إذا أحب أن يقوموا قال : إذا شئتم .
وعنه أنه خطب وقال : والله إن عبدا ليس بينه وبين آدم أب إلا قد مات لمعرق له في الموت .
جرير ، عن مغيرة قال : جمع عمر بن عبد العزيز بني مروان حين استخلف ، فقال : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانت له فدك ينفق منها ، ويعود منها على صغير بني هاشم ، ويزوج منها أيمهم ، وإن فاطمة سألته أن يجعلها لها ، فأبى ، فكانت كذلك حياة أبي بكر وعمر ، عملا فيها عمله ، ثم أقطعها مروان ، ثم صارت لي ، فرأيت أمرا منعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنته ليس لي بحق ، وإني أشهدكم أني قد رددتها على ما كانت عليه في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
قال الليث : بدأ عمر بن عبد العزيز بأهل بيته ، فأخذ ما بأيديهم ، وسمى أموالهم مظالم ، ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان ، فأرسلت إليه : إني قد عناني أمر ، فأتته ليلا ، فأنزلها عن دابتها ، فلما أخذت مجلسها قال : يا عمة ! أنت أولى بالكلام ، قالت : تكلم يا أمير المؤمنين ، قال : إن الله بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- رحمة ، ولم يبعثه عذابا ، واختار له ما عنده ، فترك لهم نهرا ، شربهم سواء ، ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله ، ثم عمر ، فعمل عمل صاحبه ، ثم لم يزل النهر يشتق منه يزيد ومروان وعبد الملك ، والوليد وسليمان ، حتى أفضى الأمر إلي ، وقد يبس النهر الأعظم ، ولن يروي أهله حتى يعود إلى ما كان عليه ، فقالت : حسبك ، فلست بذاكرة لك شيئا ، ورجعت فأبلغتهم كلامه .
وعن ميمون بن مهران ، سمعت عمر بن عبد العزيز يقول : لو أقمت فيكم خمسين عاما ما استكملت فيكم العدل ، إني لأريد الأمر من أمر العامة ، فأخاف ألا تحمله قلوبهم ، فأخرج معه طمعا من طمع الدنيا . ابن عيينة ، عن إبراهيم بن ميسرة قلت لطاوس : هو المهدي يعني- عمر بن عبد العزيز – قال : هو المهدي ، وليس به إنه لم يستكمل العدل كله .
قال ابن عون : كان ابن سيرين إذا سئل عن الطلاء قال : نهى عنه إمام هدى ، يعني عمر بن عبد العزيز .
قال حرملة : سمعت الشافعي يقول : الخلفاء خمسة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز . وفي رواية : الخلفاء الراشدون ، وورد عن أبي بكر بن عياش نحوه ، وروى عباد بن السماك عن الثوري مثله . أبو المليح ، عن خصيف قال : رأيت في المنام رجلا ، وعن يمينه وشماله رجلان ، إذ أقبل عمر بن عبد العزيز ، فأراد أن يجلس بين الذي عن يمينه وبينه ، فلصق صاحبه ، فجذبه الأوسط فأقعده في حجره ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا أبو بكر ، وهذا عمر .
عبد الرحمن بن زيد ، عن عمر بن أسيد ، قال : والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم ، فيقول : اجعلوا هذا حيث ترون ، فما يبرح حتى يرجع بماله كله . قد أغنى عمر الناس .
قال جويرية بن أسماء : دخلنا على فاطمة بنت الإمام علي ، فأثنت على عمر بن عبد العزيز ، وقالت : فلو كان بقي لنا ما احتجنا بعد إلى أحد . وعن ضمرة ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز
إلى بعض عماله : أما بعد : فإذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم ، فاذكر قدرة الله -تعالى- عليك ، ونفاد ما تأتي إليهم ، وبقاء ما يأتون إليك .
عمر بن ذر ، حدثني عطاء بن أبي رباح ، قال : حدثتني فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز أنها دخلت عليه ، فإذا هو في مصلاه يده على خده ، سائلة دموعه ، فقلت يا أمير المؤمنين ! ألشيء حدث ؟ قال يا فاطمة ! إني تقلدت أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فتفكرت في الفقير الجائع ، والمريض الضائع ، والعاري المجهود ، والمظلوم المقهور ، والغريب المأسور ، والكبير ، وذي العيال في أقطار الأرض ، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم ، وأن خصمهم دونهم محمد -صلى الله عليه وسلم- فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته ، فرحمت نفسي فبكيت .
وروى حماد بن النضر ، عن محمد بن المنكدر ، عن عطاء عنها نحوه ، وقال : حدثتني بعد وفاة عمر .
قال الفريابي : حدثنا الأوزاعي أن عمر بن عبد العزيز جلس في بيته ، وعنده أشراف بني أمية ، فقال أتحبون أن أولي كل رجل منكم جندا من هذه الأجناد ، فقال له رجل منهم : لم تعرض علينا ما لا تفعله ؟ قال ترون بساطي هذا ؟ إني لأعلم أنه يصير إلى بلى ، وإني أكره أن تدنسوه علي بأرجلكم ، فكيف أوليكم ديني ؟ وأوليكم أعراض المسلمين وأبشارهم تحكمون فيهم ؟ هيهات هيهات ، قالوا : لم ، أما لنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال : ما أنتم وأقصى رجل من المسلمين عندي في هذا الأمر إلا سواء ، إلا رجل حبسه عني طول شقة .
يحيى بن أبي غنية ، عن حفص بن عمر بن أبي الزبير ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم : أن أدق قلمك ، وقارب بين أسطرك ، فإني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به .
قال ميمون بن مهران : أقمت عند عمر بن عبد العزيز ستة أشهر ، ما رأيته غير رداءه ، كان يغسل من الجمعة إلى الجمعة ، ويبين بشيء من زعفران .
الثوري ، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين قال : كان مؤذن لعمر بن عبد العزيز إذا أذن رعد ، فبعث إليه : أذن أذانا سمحا ولا تغنه وإلا فاجلس في بيتك .
وروى عمر بن ميمون ، عن أبيه ما زلت ألطف في أمر الأمة أنا وعمر بن عبد العزيز حتى قلت له : ما شأن هذه الطوامير التي تكتب فيها بالقلم الجليل هي من بيت المال ، فكتب إلى الآفاق بتركه ، فكانت كتبه نحو شبر .
قال حميد الطويل : أمل علي الحسن رسالة إلى عمر بن عبد العزيز ، فأبلغ ، ثم شكى الحاجة والعيال ، فقلت : يا أبا سعيد ! لا تهجن الكتاب بالمسألة اكتب هذا في غير ذا قال : دعنا منك ، فأمر بعطائه ، قال : قلت : يا أبا سعيد اكتب إليه في المشورة ، فإن أبا قلابة قال : كان جبريل ينزل بالوحي ، فما منعه -عليه السلام- ذلك أن أمره الله بالمشورة ، فقال : نعم ، فكتب بالمشورة فأبلغ . رواه حماد بن سلمة عنه .
خلف بن تميم حدثنا : عبد الله بن محمد ، عن الأوزاعي قال : كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رسالة ، لم يحفظها غيري وغير مكحول : أما بعد ، فإنه من أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير ، ومن عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما ينفعه والسلام .
وقال الأوزاعي : كان عمر بن عبد العزيز إذا أراد أن يعاقب رجلا حبسه ثلاثا ، ثم عاقبه كراهية أن يعجل في أول غضبه .
معاوية بن صالح : حدثنا سعيد بن سويد أن عمر بن عبد العزيز صلى بهم الجمعة ثم جلس وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه ، فقال له رجل : يا أمير المؤمنين ! إن الله قد أعطاك ، فلو لبست ! فقال : أفضل القصد عند الجدة ، وأفضل العفو عند المقدرة .
قال جويرية بن أسماء : قال عمر بن عبد العزيز : إن نفسي تواقة ، وإنها لم تعط من الدنيا شيئا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه ، فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا ، تاقت إلى ما هو أفضل منه ، يعني الجنة . .
قال حماد بن واقد : سمعت مالك بن دينار يقول : الناس يقولون عني : زاهد ، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها .
الفسوي : حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى ، حدثني أبي عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال : دعاني المنصور فقال : كم كانت غلة عمر بن عبد العزيز حين استخلف ؟ قلت : خمسون ألف دينار ، قال : كم كانت يوم موته ؟ قلت : مائتا دينار .
وعن مسلمة بن عبد الملك قال : دخلت على عمر وقميصه وسخ ، فقلت لامرأته ، وهي أخت مسلمة : – اغسلوه ، قالت : نفعل ، ثم عدت فإذا القميص على حاله ، فقلت لها ، فقالت والله ما له قميص غيره .
وروى إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن مهاجر : كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين .
وروى سعيد بن عامر الضبعي ، عن عون بن المعتمر أن عمر بن عبد العزيز قال لامرأته : عندك درهم أشتري به عنبا ؟ قالت : لا ، قال : فعندك فلوس ؟ قالت لا ، أنت أمير المؤمنين ولا تقدر على درهم ، قال : هذا أهون من معالجة الأغلال في جهنم . .
مروان بن معاوية ، عن رجل قال : كان سراج بيت عمر بن عبد العزيز على ثلاث قصبات فوقهن طين .
عبد الله بن إدريس ، عن أبيه ، عن أزهر صاحب له : قال : رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب بخناصرة وقميصه مرقوع.
قال مروان بن محمد : حدثنا محمد بن مهاجر ، حدثني أخي عمرو أن عمر بن عبد العزيز كان يلبس برد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويأخذ قضيبه في يده يوم العيد .
وقال معرف بن واصل : رأيت عمر بن عبد العزيز قدم مكة ، وعليه ثوبان أخضران .
وقال الوليد بن أبي السائب : كان لعمر بن عبد العزيز جبة خز غبراء ، وجبة خز صفراء ، وكساء خز ، ثم ترك ذلك .
قال الواقدي : حدثنا عبد الرحمن بن عبد العزيز ، عن عمرو بن مهاجر : رأيت عمر بن عبد العزيز يخطب الأولى جالسا ، وبيده عصا قد عرضها على فخذه ، يزعمون أنها عصا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا فرغ من خطبته سكت ، ثم قام فخطب الثانية متوكئا عليها ، فإذا مل لم يتوكأ ، وحملها حملا فإذا دخل في الصلاة ، وضعها إلى جنبه .
وفي ” الزهد ” لابن المبارك ، أخبرنا إبراهيم بن نشيط ، حدثنا سليمان بن حميد ، عن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع أنه دخل على فاطمة بنت عبد الملك فقال : ألا تخبريني عن عمر ؟ قالت ما أعلم أنه اغتسل من جنابة ولا احتلام منذ استخلف .
قال يحيى بن حمزة : حدثنا عمرو بن مهاجر أن عمر بن عبد العزيز كان تسرج عليه الشمعة ما كان في حوائج المسلمين ، فإذا فرغ ، أطفأها وأسرج عليه سراجه .
وقال مالك : أتي عمر بن عبد العزيز بعنبرة ، فأمسك على أنفه مخافة أن يجد ريحها ، وعنه : أنه سد أنفه ، وقد أحضر مسك من الخزائن .
خالد بن مرداس : حدثنا الحكم بن عمر قال : كان لعمر ثلاثمائة حرسي وثلاثمائة شرطي ، فشهدته يقول لحرسه : إن لي عنكم بالقدر حاجزا وبالأجل حارسا ، من أقام منكم : فله عشرة دنانير ، ومن شاء ، فليلحق بأهله .
عمرو بن عثمان الحمصي : حدثنا خالد بن يزيد ، عن جعونة قال : دخل رجل على عمر بن عبد العزيز فقال : يا أمير المؤمنين ! إن من قبلك كانت الخلافة لهم زينا ، وأنت زين الخلافة ، فأعرض عنه .
وعن عبد العزيز بن عمر : قال لي رجاء بن حيوة : ما أكمل مروءة أبيك ! سمرت عنده ، فعشي السراج ، وإلى جانبه وصيف نام ، قلت : ألا أنبهه ؟ .
قال : لا ، دعه ، قلت : أنا أقوم : قال : لا ، ليس من مروءة الرجل استخدامه ضيفه ، فقام إلى بطة الزيت ، وأصلح السراج ، ثم رجع ، وقال : قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز .
وكان -رحمه الله- فصيحا مفوها ، فروى حماد بن سلمة ، عن رجاء الرملي ، عن نعيم بن عبد الله كاتب عمر بن عبد العزيز أن عمر قال : إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة .
جرير بن حازم ، عن مغيرة بن حكيم : قالت فاطمة امرأة عمر بن عبد العزيز : حدثنا مغيرة أنه يكون في الناس من هو أكثر صلاة وصياما من عمر بن عبد العزيز ، وما رأيت أحدا أشد فرقا من ربه منه ، كان إذا صلى العشاء ، قعد في مسجده ، ثم يرفع يديه ، فلم يزل يبكي حتى تغلبه عينه ، ثم ينتبه ، فلا يزال يدعو رافعا يديه يبكي حتى تغلبه عينه ، يفعل ذلك ليله أجمع .
ابن المبارك ، عن هشام بن الغاز ، عن مكحول : لو حلفت لصدقت ، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز .
قال النفيلي حدثنا النضر بن عربي قال : دخلت على عمر بن عبد العزيز ، فكان ينتفض أبدا ، كأن عليه حزن الخلق .
الفسوي : حدثنا إبراهيم بن هشام الغساني حدثنا أبي عن جدي ، عن ميمون بن مهران قال لي عمر بن عبد العزيز : حدثني ، فحدثته ، فبكى بكاء شديدا ، فقلت : لو علمت لحدثتك ألين منه ، فقال إنا نأكل العدس ، وهي ما علمت مرقة للقلب ، مغزرة للدمعة ، مذلة للجسد.
حكام بن سلم ، عن أبي حاتم قال : لما مرض عمر بن عبد العزيز جيء بطبيب فقال : به داء ليس له دواء ، غلب الخوف على قلبه .
وعن عطاء قال : كان عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون .
وقيل : كتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل : إنك إن استشعرت ذكر الموت في ليلك ونهارك بغض إليك كل فان ، وحبب إليك كل باق والسلام .
ومن شعره :
من كان حين تصيب الشمس جبهته === أو الغبار يخاف الشين والشعثا
يألف الظل كي تبقى بشاشته === فسوف يسكن يوما راغما جدثا
في قعر مظلمة غبراء موحشة === يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا
تجهزي بجهاز تبلغين به ==== يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا
قال سعيد بن أبي عروبة : كان عمر بن عبد العزيز إذا ذكر الموت اضطربت أوصاله . ومما روي له:
ولا خير في عيش امرئ لم يكن له === من الله في دار القرار نصيب
فإن تعجب الدنيا أناسا فإنها === متاع قليل ، والزوال قريب
ومما روي له :
أيقظان أنت اليوم ؟ أم أنت نائم ؟ === وكيف يطيق النوم حيران هائم
فلو كنت يقظان الغداة لخرقت === مدامع عينيك الدموع السواجم
تسر بما يبلى وتفرح بالمنى === كما اغتر باللذات في اليوم حالم
نهارك يا مغرور سهو وغفلة === وليلك نوم والردى لك لازم
وسعيك فيما سوف تكره غبه === كذلك في الدنيا تعيش البهائم
وعن وهيب بن الورد قال : كان عمر بن عبد العزيز يتمثل كثيرا بهذه .
يرى مستكينا وهو للهو ماقت به === عن حديث القوم ما هو شاغله
وأزعجه علم عن الجهل كله === وما عالم شيئا كمن هو جاهله
عبوس عن الجهال حين يراهم === فليس له منهم خدين يهازله
تذكر ما يبقى من العيش آجلا === فأشغله عن عاجل العيش آجله
عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، سمع عمير بن هانئ يقول : دخلت على عمر بن عبد العزيز فقال لي : كيف تقول في رجل رأى سلسلة دليت من السماء ، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتعلق بها ، فصعد ، ثم جاء أبو بكر فتعلق بها فصعد ، ثم جاء عمر ، فتعلق بها فصعد ، ثم جاء عثمان فتعلق بها ، فانقطعت ، فلم يزل حتى وصل ثم صعد ، ثم جاء الذي رأى هذه الرؤيا فتعلق بها فصعد ، فكان خامسهم . قال عمير : فقلت في نفسي هو هو ، ولكنه كنى عن نفسه ، قلت : يحتمل أن يكون الرجل عليا ، وما أمكن الرأي يفصح به لظهور النصب إذ ذاك .
قال معاوية بن يحيى : حدثنا أرطاة قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : لو جعلت على طعامك أمينا لا تغتال ، وحرسيا إذا صليت ، وتنح عن الطاعون .
قال : اللهم إن كنت تعلم أني أخاف يوما دون يوم القيامة فلا تؤمن خوفي .
قال علي بن أبي حملة ، عن الوليد بن هشام قال : لقيني يهودي فقال : إن عمر بن عبد العزيز سيلي ، ثم لقيني آخر ولاية عمر فقال : إن صاحبك قد سقي ، فمره فليتدارك نفسه ، فأعلمت عمر ، فقال : قاتله الله ما أعلمه ، لقد علمت الساعة التي سقيت فيها ، ولو كان شفائي أن أمسح شحمة أذني ما فعلت . وقد رواها أبو عمير بن النحاس ، عن ضمرة ، عنه ، فقال : عن عمرو بن مهاجر بدل الوليد .
مروان بن معاوية ، عن معروف بن مشكان ، عن مجاهد : قال لي عمر بن عبد العزيز : ما يقول في الناس ؟ قلت : يقولون : مسحور ، قال : ما أنا بمسحور ، ثم دعا غلاما له فقال : ويحك ! ما حملك على أن سقيتني السم ؟ .
قال : ألف دينار أعطيتها ، وعلى أن أعتق ، قال هاتها ، فجاء بها ، فألقاها في بيت المال ، وقال : اذهب حيث لا يراك أحد .
إسماعيل بن عياش ، عن عمرو بن مهاجر قال : اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا ، فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا ، فقال : ما أطيب ريحه وأحسنه ! وقال : ارفعه يا غلام للذي أتى به ، وأقر مولاك السلام ، وقل له : إن هديتك وقعت عندنا بحيث تحب ، فقلت : يا أمير المؤمنين ! ابن عمك ، ورجل من أهل بيتك ، وقد بلغك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأكل الهدية ، قال : ويحك ! إن الهدية كانت له هدية ، وهي اليوم لنا رشوة .
قال ابن عيينة : قلت لعبد العزيز بن عمر : ما آخر ما تكلم به أبوك ؟ فقال : كان له من الولد أنا وعبد الله ، وعاصم وإبراهيم ، وكنا أغيلمة ، فجئنا كالمسلمين عليه والمودعين له ، فقيل له : تركت ولدك ليس لهم مال ، ولم تئوهم إلى أحد ، فقال : ما كنت لأعطيهم ما ليس لهم ، وما كنت لآخذ منهم حقا هو لهم ، وإن وليي الله فيهم الذي يتولى الصالحين ، إنما هم أحد رجلين : صالح أو فاسق . وقيل : إن الذي كلمه فيهم خالهم مسلمة .
وروى حماد بن زيد ، عن أيوب قال : قيل لعمر بن عبد العزيز : يا أمير المؤمنين ! لو أتيت المدينة ، فإن قضى الله موتا ، دفنت في موضع القبر الرابع مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : والله لأن يعذبني الله بغير النار أحب إلي من أن يعلم من قلبي أني أراني لذلك أهلا .
وروى ابن شوذب ، عن مطر مثله .
وعن ليث بن أبي رقية أن عمر بن عبد العزيز قال : أجلسوني ، فأجلسوه ، فقال : أنا الذي أمرتني فقصرت ، ونهيتني فعصيت ، ثلاثا ، ولكن لا إله إلا الله ، ثم أحد النظر ، وقال : إني لأرى خضرة ما هم بإنس ولا جن ، ثم قبض . وروى نحوها أبو يعقوب الخطابي ، عن السري بن عبيد الله .
وقال المغيرة بن حكيم : قلت لفاطمة بنت عبد الملك : كنت أسمع عمر بن عبد العزيز في مرضه يقول : اللهم أخف عليهم أمري ولو ساعة ، قالت : قلت له : ألا أخرج عنك ، فإنك لم تنم ، فخرجت ، فجعلت أسمعه يقول : تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين مرارا ، ثم أطرق ، فلبثت طويلا لا يسمع له حس ، فقلت لوصيف : ويحك ! انظر ، فلما دخل ، صاح ، فدخلت فوجدته ميتا ، قد أقبل بوجهه على القبلة ، ووضع إحدى يديه على فيه ، والأخرى على عينيه . سمعها جرير بن حازم منه . عن عبيد بن حسان قال : لما احتضر عمر بن عبد العزيز قال : اخرجوا عني ، فقعد مسلمة وفاطمة على الباب ، فسمعوه يقول : مرحبا بهذه الوجوه ليست بوجوه إنس ولا جان ، ثم تلا تلك الدار الآخرة نجعلها الآية . ثم هدأ الصوت ، فقال مسلمة لفاطمة : قد قبض صاحبك فدخلوا فوجدوه قد قبض .
هشام بن حسان ، عن خالد الربعي قال : إنا نجد في التوراة أن السماوات والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا .
وقال هشام لما جاء نعيه إلى الحسن ، قال : مات خير الناس قال أبو إسحاق الجوزجاني ، حدثنا محمد بن سعيد القرشي ، حدثنا محمد بن مروان العقيلي ، حدثنا يزيد أن الوفد الذين بعثهم عمر بن عبد العزيز إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام ، قال : فلما بلغه قدومنا ، تهيأ لنا ، وأقام البطارقة على رأسه والنسطورية واليعقوبية إلى أن قال : فأتاني رسوله : أن أجب فركبت ومضيت ، فإذا أولئك قد تفرقوا عنه ، وإذا البطارقة قد ذهبوا ، ووضع التاج ، ونزل عن السرير ، فقال : أتدري لم بعثت إليك ، قلت : لا ، قال : إن صاحب مسلحتي كتب إلي أن الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز مات ، قال : فبكيت ، واشتد بكائي ، وارتفع صوتي ، فقال لي : ما يبكيك ؟ ألنفسك تبكي أم له أم لأهل دينك ؟ قلت : لكل أبكي ، قال : فابك لنفسك ، ولأهل دينك ، فأما عمر ، فلا تبك له ، فإن الله لم يكن ليجمع عليه خوف الدنيا وخوف الآخرة ، ثم قال : ما عجبت لهذا الراهب الذي تعبد في صومعته وترك الدنيا ، ولكن عجبت لمن أتته الدنيا منقادة ، حتى صارت في يده ثم خلى عنها .
ابن وهب ، عن مالك أن صالح بن علي الأمير سأل عن قبر عمر بن عبد العزيز فلم يجد من يخبره ، حتى دل على راهب ، فسأله ، فقال : قبر الصديق تريدون ؟ هو في تلك المزرعة .
ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر ، حدثنا محمد بن مسلم بن جماز ، عن عبد الرحمن بن محمد قال : أوصى عمر بن عبد العزيز عند الموت ، فدعا بشعر من شعر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأظفار من أظفاره فقال : اجعلوه في كفني .
وعن رجاء بن حيوة قال لي عمر بن عبد العزيز : كن فيمن يغسلني ، وتدخل قبري ، فإذا وضعتموني في لحدي ، فحل العقد ، ثم انظر إلى وجهي ، فإني قد دفنت ثلاثة من الخلفاء ، كلهم إذا أنا وضعته في لحده حللت العقد ، ثم نظرت إليه فإذا وجهه مسود ، إلى غير القبلة ، قال رجاء : فدخلت القبر ، وحللت العقد ، فإذا وجهه كالقراطيس في القبلة . إسنادها مظلم ، وهي في طبقات ابن سعد .
وروى ابن سعد واسحاق بن سيار ، عن عباد بن عمر الواشحي المؤذن ، حدثنا مخلد بن يزيد -وكان فاضلا خيرا- عن يوسف بن ماهك قال : بينا نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا كتاب رق من السماء ، فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار . .
قلت : مثل هذه الآية لو تمت لنقلها أهل ذاك الجمع ، ولما انفرد بنقلها مجهول ، مع أن قلبي منشرح للشهادة لعمر أنه من أهل الجنة .
قال ابن المبارك أخبرني ابن لهيعة قال : وجدوا في بعض الكتب : تقتله خشية الله -يعني عمر بن عبد العزيز .
محمد بن مسلم الطائفي ، عن إبراهيم بن ميسرة أن عمر بن عبد العزيز اشترى موضع قبره قبل أن يموت بعشرة دنانير .
ولكثير عزة يرثيه :
عمت صنائعه فعم هلاكه === فالناس فيه كلهم مأجور
والناس مأتمهم عليه واحد === في كل دار رنة وزفير
يثني عليك لسان من لم توله === خيرا لأنك بالثناء جدير
ردت صنائعه عليه حياته === فكأنه من نشرها منشور
روى خليفة بن خياط وغيره أن عمر بن عبد العزيز مات يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة بدير سمعان من أرض حمص .
قال : وإنما هو من أرض المعرة ، ولكن المعرة كانت من أعمال حمص هي وحماة . وعاش تسعا وثلاثين سنة ونصفا .
وقال جعفر الصادق ، عن سفيان بن عاصم : إنه مات لخمس مضين من رجب يوم الخميس ، ودفن بدير سمعان ، وصلى عليه مسلمة بن عبد الملك .
قال : وكان أسمر دقيق الوجه ، حسنه ، نحيف الجسم ، حسن اللحية ، بجبهته شجة .
وقال أبو عمر الضرير : مات بدير سمعان من أرض حمص يوم الجمعة لعشر بقين من رجب ، وله تسع وثلاثون سنة ونصف .
وقال طائفة : في رجب ، لم يذكروا اليوم ، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وأياما .
قال سليمان بن عمير الرقي ، حدثنا أبو أمية الخصي غلام عمر بن عبد العزيز قال : بعثني عمر بدينارين إلى أهل الدير فقال : إن بعتموني موضع قبري ، وإلا تحولت عنكم .
قال هشام بن الغاز : نزلنا منزلا مرجعنا من دابق ، فلما ارتحلنا مضى مكحول ، ولم نعلم أين يذهب ، فسرنا كثيرا حتى جاء ، فقلنا : أين ذهبت ؟ .
قال أتيت قبر عمر بن عبد العزيز ، وهو على خمسة أميال من المنزل ، فدعوت له ، ثم قال : لو حلفت ما استثنيت ما كان في زمانه أحد أخوف لله ، ولا أزهد في الدنيا منه .
قال الحكم بن عمر الرعيني : رأيت عمر بن عبد العزيز يصلي في نعلين وسراويل ، وكان لا يحفي شاربه ، ورأيته يبدأ بالخطبة قبل العيدين ، ثم ينزل فيصلي ، وشهدت عمر بن عبد العزيز كتب إلى أصحاب الطرز لا تجعلوا سدى الخز إلا من قطن ، ولا تجعلوا فيه إبريسم ، وصليت معه فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في كل سورة يقرؤها وصليت خلفه الفجر ، فقنت قبل الركوع ، ورأيته يأتي العيدين ماشيا ، ويرجع ماشيا ، ورأيت خاتمه من فضة ، وفصه من فضة مربع . فهذه الفوائد من نسخة خالد بن مرداس ، سمعها من الحكم .
أخبرنا أحمد بن هبة الله ، عن المؤيد الطوسي ، أخبرنا محمد بن المفضل ، أخبرنا عبد الغافر الفارسي ، أخبرنا محمد بن عمرويه ، أخبرنا إبراهيم بن محمد ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثني عمرو الناقد ، حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن سهيل بن أبي صالح قال : كنا بعرفة ، فمر عمر بن عبد العزيز ، وهو على الموسم ، فقام الناس ينظرون إليه ، فقلت لأبي : يا أبة ! إني أرى الله يحب عمر بن عبد العزيز ، قال : وما ذاك ؟ قلت : لما له من الحب في قلوب الناس . قال : سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكر مثل حديث جرير عن سهيل ، وهو : إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل فقال : إني أحب فلانا فأحبه ، قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء فيقول : إن الله يحب فلانا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض .
سعيد بن منصور : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن أبيه أن حيان بن شريح عامل مصر كتب إلى عمر بن عبد العزيز : أن أهل الذمة قد أشرعوا في الإسلام ، وكسروا الجزية ، فكتب إليه : إن الله بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- داعيا ولم يبعثه جابيا ، فإذا أتاك كتابي فإن كان أهل الذمة أشرعوا في الإسلام ، وكسروا الجزية ، فاطو كتابك وأقبل .
ابن وهب : حدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز ذكر بعض ما مضى من العدل والجور ، فقال هشام بن عبد الملك : إنا -والله- لا نعيب أبانا ، ولا نضع شرفنا ، فقال عمر : أي عيب أعيب ممن عابه القرآن .
قال ابن عيينة : قال رجل لعمر بن عبد العزيز : جزاك الله عن الإسلام خيرا ، قال : بل جزى الله الإسلام عني خيرا .
ابن سعد : أخبرنا علي بن محمد ، عن لوط بن يحيى قال : كان الولاة من بني أمية قبل عمر بن عبد العزيز يشتمون رجلا رضي الله عنه فلما ولي هو أمسك عن ذلك ، فقال كثير عزة الخزاعي :
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف === بريا ، ولم تتبع مقالة مجرم
تكلمت بالحق المبين وإنما === تبين آيات الهدى بالتكلم
فصدقت معروف الذي قلت بالذي === فعلت فأضحى راضيا كل مسلم
لجرير :
لو كنت أملك ، والأقدار غالبة === تأتي رواحا وتبيانا وتبتكر
رددت عن عمر الخيرات مصرعه === بدير سمعان لكن يغلب القدر
ولعمر بن عبد العزيز من الولد ابنه عبد الملك الذي توفي قبله ، وعبد الله الذي ولي العراق ، وعبد العزيز الذي ولي الحرمين ، وعاصم ، وحفص ، وإسماعيل ، وعبيد الله ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويزيد ، وإصبغ ، والوليد ، وزبان ، وآدم ، وإبراهيم ، فأم إبراهيم كلبية ، وسائرهم لعلات . ومات معه في سنة إحدى ومائة عمه الأمير .