كتب عامة

تعليم وتعلم اللغة بدون ترجمة- تقي الدين الهلالي

%D8%A8%D8%AF%D9%88%D9%86%2B%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9

هذا مقال للشيخ تقي الدين الهلالي يتحدث فيه عن تعليم اللغة العربية بدون ترجمة، وقبله يسرد موقفا مع أحدهم، يقول رحمه الله:

كل قاصد لأمر عظيم لا بد له من امتحان فإذا صبر ظفر و انتصر، و إذا زجع و مل خاب و انكسر.

كان للندوة رجال من مشاهير العلماء و الأغنياء، يدبرون شؤونها تحت رئاسة السيد سليمان الندوي، و اتفق أن أحد كبارهم، و يسمى الشيخ الشرواني لقيني، و كان يريد أن أخضع له كما يفعل معه غيري من الشباب فلم أخضع له، بل سلمت عليه سلاما عاديا، فاغتاظ و قال لي: لماذا تقص لحيتك؟ مع أني كنت أترك منها قبضة اليد كما جاء عن عبد الله بن عمر، فقلت له: أقصها لأنها لحيتي و ليست لحيتك!! فقال: لا تأخذ منها شيئا، لأن الطلبة يقتدون بك، فقلت له: أنا أستاذ الأدب العربي، و هناك أستاذ الفقه، و أستاذ الحديث، و لهما لحيتان طويلتان فكيف يتركون الاقتداء بهما و يقتدون بي؟! فغضب و انصرف، و كان ذلك من نزوات الشباب فعمل على إخراجي من الندوة، فانتظر إلى أن انعقد مجلس رجال الندوة (و لا أقول أعضاؤها لأنه محدث مقتبس من اللغات الأجنبية) فخطب فيهم الشيخ الشرواني و قال لهم: هذا الأستاذ العربي لا يعرف لغة أردو و لا يمكن أن يتمكن من تفهيم الطلبة مسائل العلم دون أن يشرحها لهم بلغتهم التي يفهمونها، فرد عليه السيد سليمان الندوي و الدكتور عبد العلي و بينا له شدة حاجة الطلبة إلى سماع علوم الأدب العربي باللغة العربية، فوقع خلاف بين شيوخ الندوة و أخذت الآراء فانتصر الشرواني.

فجاءني السيد سليمان الندوي و الدكتور عبد العلي متأسفين و معتذرين و قالا لي: لا شك عندنا أنك تريد بعملك في هذه المدرسة وجه الله تعالى بتعليم لغة القرآن، و قد قدر الشيخ الشرواني أن يقنع أكثر الشيوخ برأيه الباطل لجهلهم بشؤون التعليم فنرجوا من فضلك أن تمهلنا أربعة أشهر نجعل لك فيها سبعين روبية بنقص ثلاثين من الراتب و بعد أربعة أشهر نرجوا أن نفهم شيوخ الندوة مقدار الفائدة التي يجنيها الطلبة من علمك، فقبلت اقتراحهما و أسست مدرسة صغيرة في بيتي لتعليم التلاميذ الصغار اللغة العربية لأبين خطأ الشرواني الذي يزعم أن تعليم اللغة العربية بدون ترجمة لا يمكن، فاتفقت مع الدكتور عبد العلي و رجل من أشراف البلد كنا ندعوه منشى صاحب نسيت اسمه،فاخترنا عشرة من التلاميذ من صبيان المحلة لا يزيد عمر أحد منهم على أربع عشرة سنة و أخذت أعلمهم اللغة العربية بدون ترجمة طبعا، و بعد أربعة أشهر دعونا الأساتذة ليمتحنوهم فامتحنوهم في الإنشاء و الإملاء و التحدث بالعربية و القراءة فوجدوهم قد تعلموا في أربعة أشهر ما لم يتعلمه، غيرهم من الطلبة الكبار في خمس عشرة سنة بالترجمة، فتعجب الحاضرون وازدادوا يقينا بصحة ما قلته لهم. ثم انعقد مجلس الندوة و كان الرئيسان المذكوران قد عملا في تلك المدة على تفهيم شيوخ الندوة و إقناعهم بأن اللغة العربية لا يمكن تعلمها تعلما ناجحا إلا باستعماله نفسها فأخذت الآراء فانهزم الشرواني و رجعت إلى الندوة.

مستفاد من كتاب: الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة ص 249-250.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

AdBlock

Please Stop AdBlock! :(